بسم الله الرحمن الرحيم , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ نينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد :
لاشك في أن لا شي يعادل الرياضيات فهي بتركيبها الدقيق غنية بصورة لا تضاهيها أي مادة في دقتها وقوة منطقها وشدة تناسقها، والنظرية المبرهنة رياضيا تكون بمثابة يقين عقلي مطلق بصرف النظر إذا كان منطبقا على الواقع أم غير منطبق .. الأهم أن يتسق البناء المنطقي مع نفسه .. معطيات القضية مع تواليها .. فرضياتها مع نتائجها .. المبرهنة الرياضياتية مكتملة مطلقاً في صحتها وترابطها ولا يعنيها بعد ذلك انطباقها على الواقع أو تصديقها له .. أما في العلوم الإخبارية والتجريبية فوسائلها الحواس والتصورات ومدى التناغم والصدق مع الواقع .. لذا رأينا علوم الفلك والفيزياء تتعرض للتصديق والتكذيب، فتبطل النظريات الجديدة القديمة والشواهد على ذلك في تاريخ العلوم تكاد لا تحصى .. مثل كيفية الإبصار وطبيعة الكهرباء وعلوم الفلك والتصورات حول الكون و .. الخ. لهذه الأسباب سميت المبرهنة الرياضية للدلالة على يقينها .. أما في العلوم التجريبية والإخبارية فالنظرية .. مجرد تصور .. لا يرقى لليقين المطلق الذي تحظى به المبرهنة الرياضاتية، لهذا السبب سميت الرياضيات بلقب " ملكة العلوم " .. وهذا يعني تماما أن مهمة تكوين العقل الناقد وتمليكه أدوات ومقاييس
الحكم ومفاهيم الصح والخطأ المجردة – هي مهمة تتعلق مباشرة وبالضرورة بالمنطق الرياضياتي المجرد ولا تتعلق بالحساب أو بالرياضيات التطبيقية والفيزياء فكلها لا تعدو أمثلة، وذلك لا ينفي بأي حال أن التطور الذي حققه الإنسان هو " ثمرة اتحاد الاستدلال الرياضي ( بشقيه الاستقرائي والاستنتاجي ) مع التجريب ( الفيزياء وعلوم الفلك بشكل خاص )0
......................... ...................
إضاءة
يتمتع علم الرياضيات بجاذبية خاصة وسحر أخّاذ وبريق مبهر فهو مادة إيقاظ الفكر وشحذ المواهب وبناء العقول ، أن مادة الرياضيات هي مادة البناء في أبحاث الفضاء والفلك والأجهزة الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة وتغلغلت بها وانتقلت بالناس من عالم إلى عالم آخر …
وبالرغم من أن الرياضيات مادة مشوقة ، تميل النفس إلى دراستها والبحث فيها إلا أنها في كثير من الأحيان تكون حجر عثرة أمام الكثيرين منا . وذلك بسبب عدم استيعابنا لأصولها ونظريتها وقوانينها .
ومما لاشك فيه أن هذا العجز عن الفهم لم يكن عيباً في ذات المادة ولكنه نابع من ذاتنا نحن !!
المبحث الأول / تعريف علم الرياضيات
عرّف علماء الرياضيات هذا العلم بعدة تعريفات هي على النحو التالي :
• عرّفه بعضهم فقال : هو علم تراكمي البنيان ( المعرفة التالية تعتمد على معرفة سابقة ) يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم - قواعد ونظريات – عمليات – حل مسائل ( حل مشكلات ) وبرهان يتعامل مع الأرقام والرموز ويعتبر رياضة للعقل البشري . حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ، ويقاس تمكن لدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسالة ( المشكلة ) وتقديم البرهان المناسب
• وعرّفها بعضهم فقال :تعرف '''[[الرياضيات]]''' على أنها دراسة البنية، الفضاء، و التغير، و بشكل عام على أنها دراسة البنى المجردة باستخدام المنطق و التدوين الرياضي. و بشكل أكثر عمومية، تعرف الرياضيات على أنها دراسة الأعداد و أنماطها.
البنى الرياضية التي يدرسها الرياضيون غالبا ما يعود أصلها إلى العلوم الطبيعية، و خاصة [[فيزياء|الفيزياء]]، ولكن الرياضيين يقومون بتعريف و دراسة بنى أخرى لأغراض رياضية بحتة، لان هذه البنى قد توفر تعميما لحقول أخرى من الرياضيات مثلا، أو أن تكون عاملا مساعدا في حسابات معينة، و أخيرا فان الرياضيين قد يدرسون حقولا معينة من الرياضيات لتحمسهم لها، معتبرين أن الرياضيات هي [[فن]] و ليس علما تطبيقيا.
• وعرفه بعضهم فقال :إنه علم تراكمي البنيان (المعرفة التالية تعتمد على معرفة سابقه ) ... .يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة .. ويتكون من :أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات –حل مسائل (حل مشكلات ) وبرهان .. ويتعامل مع الأرقام والرموز . ويعتبر رياضة للعقل البشري
حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل . .. يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ويقاس تمكن الدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسألة (المشكلة) وتقديم البرهان المناسب ".
المبحث الثاني / صفات علم الرياضيات 0
تتصف الرياضيات بصفات معينة تجعلها مختلفة أكثر من المواضيع الأخرى , كما تجعلها بحاجة للمزيد من الجهد والمثابرة من أجل استيعابها .
أوّلا : الصفة التجريدية , من المعروف أنّ مادة الرياضيات التي يتمّ التعامل بها من خواص وعلاقات ليست بذي وجود مادي محسوس بخلاف المواد التي تتعامل بها الفيزياء والكيمياء مثلاً , أي أنّ مادة الرياضيات هي الأمور المجرّدة التي تتعامل بالرموز والمعادلات المجرّدة أيضا . أمّا الدلالات - مثل : الرموز الرياضية , الأشكال , التمثيلات البيانية - فإنها تلعب دورا هاما في الرياضيات وتُعد مصدر الاستيعاب في الرياضيات .
ثانيا : التسلسل في الرياضيات , أي أنّ كل فقرة تعتمد على ما سبقها من فقرات , أي أنّ فهم واستيعاب أي موضوع فرعي أو فكرة تعتمد بصورة ما على درجة فهم واستيعاب المواضيع التي قبلها .
الصفة الثالثة : هي أن تعلّم الرياضيات يكون أكثر اعتمادا على المعلّم من أيّ موضوع آخر , حيث أنّه لم يكن هناك الكثير مما يمكن اكتشافه عند عمل التلميذ لوحده .
الصفة الأخيرة : أنه في بعض مجالات الرياضيات خاصة تلك المتصلة بالتعامل مع الأعداد فإنه من الممكن
للتلميذ الأداء بشكل جيد دون حاجة للفهم الذي يستعمل في التعلّم لاحقا , لذا فإنّ المشاكل غالباً لا تلاحظ
المبحث الثالث /الأسس والأصول التي قام عليها علم الرياضيات
يتأسس البرهان الرياضي عند إقليدس على :
أ -) التعريفات : هي التي يتم بواسطتها وضع و تحديد المفاهيم والتصورات الأولية التي تشكل المادة الخام لدراسة الرياضيات .
ب -) المسلَّمات : وهي القضايا التي يفترضها العالم ويضعها كأساس ينطلق منه في عملية البرهنة دون أن يقيم عليها برهاناً
جـ -) البديهيات : وهي القضايا الواضحة التي تستمد صدقها من ذاتها ولا تحتاج إلى برهنة .
كان ينظر إلى هندسة إقليدس وإلى نتائجها على أنها صادقة صدقا مطلقا ,وأنها الهندسة الوحيدة الممكنة. إلا أن كون المسلمة الخامسة لإقليدس والتي تقول :"من نقطة خارج خط مستقيم لا يمر إلا خط مستقيم وحيد يوازيه" كون هذه المسلمة لم تتم البرهنة عليها منذ البداية جعلها توضع موضع شك من طرف العلماء .وعندما حاول كل من ريمان( الألماني ) ولوبتشفسكي ( الروسي ) البرهنة على هذه المسلمة ، خلص كل منهما إلى هندسة أخرى تختلف عن هندسة الآخر وعن هندسة إقليدس . وسميت هذه الهندسات بالهندسات اللاإقليدية .وظهور هذه الهندسات كان له دور أساسي في توجيه أول ضربة لليقين المطلق لمبادئ ونتائج البرهان الاستنتاجي في الرياضيات
كما ظهرت كذلك بعض الأعداد الخيالية ( ت )والتي أدت إليها بعض المعادلات وهذا كله أدى إلى ظهور منهج جديد في الرياضيات هو المنهج الفرضـــي الاستنتاجي .
أصبحت تعتبر فقط مجرد فرضيات تخضع لعدة شروط منها الوضوح وعدم إثارة الاختلاف وان تكون مستقلة عن بعضها البعض ، والتي يهم في النسق الاكسيومي الناتج عن هذه الفرضيات وهو طابع النظام والاتساق الداخلي المنطقي وخلوه من التناقض . ويكون صدق النتائج في المنهج الفرضي الاستنباطي صدقاً صورياً ، حيث أن الوصول إليها تم دون التناقض مع الأولويات التي تم الانطلاق منها .
المبحث الرابع / أهمية الرياضيات ، وارتباط العلوم الأخرى بها
لم يكن ثمة موضوع أثار ردود فعل سلبية أو أنّه فُهم بشكل خاطئ كالذي فعلته الرياضيات , و على الرغم من أهميتها في التطور العلمي والتكنولوجي - يقال أنّ اختراع الطائرات لم يكن ليكتمل لولا علمي التفاضل والتكامل - إلاّ أنّ العديد من الأفراد لا يرونها علما من العلوم الحيوية و بشكل عام فإن النظرة العامّة لهذه المادّة سلبية دائما وتتجه نحو القلق والنفور و الخوف .
لقد قسّم فلاسفة اليونان العلم إلى 3 أقسام :
فالعلم الذي يطلب فيه كميات الأشياء هو العلم الرياضي , سواء كانت الكميّات مجرّدة من المادة , أو كانت مخالطة لها .
إن الرياضيات من العلوم الهامة والتي لا يستغني عنها أي فرد مهما كانت ثقافته أو كان عمره بعد عمر التمييز لأنها تشغل حيزا مهما في الحياة مهما كانت درجة رقيها.
فالرياضيات في المجتمع تأخذ أهميتها النسبية من مجتمع لآخر تبعاً لتقدم هذا المجتمع وتعقد حياته التي تحتاج إلى وسيلة لكثير من الأمور كالقياس والترتيب وبيان الكميات والمقادير والأزمان والمسافات والحجوم والأوزان والأموال وغيرها.
وأول علوم الرياضيات ظهورا ما يمكن إن نطلق عليه الحساب وهذا العلم استخدمته الحضارات المختلفة في حياتها ومن بين تلك الحضارات الحضارة الإسلامية التي كان لعلم الحساب اثر واضح في تجارة المسلمين اليومية وأحكامهم الشرعية ومن ذلك عدم الزيادة والنقصان في كثير من المعاملات لا يعرف ذلك إلا بالحساب ومن ذلك معرفة الربا ومقداره لان كل زيادة على أصل المال من غير تبايع فهي ربا.
ومن علوم الرياضيات والتي نبغ فيها المسلمون علم الجبر والذي يحتاجه الناس في معاملاتهم ومن ذلك معرفة المواريث المعروف بعلم الفرائض ولا يعرف حل مسائل المواريث إلا بالرياضيات .
والأمر لا يقف عند التجارة والمواريث والربا وغير ذلك بل إن تحديد أوقات الصلاة التي تختلف حسب المواقع ومن يوم إلى آخر يحتاج إلى الحساب الذي يحتاج إلى معرفة الموقع الجغرافي وحركة الشمس في البروج وأحوال الشفق الأساسية كل ذلك بالحساب يمكن تحديد وقت الصلاة في كل بلد
إن معرفة جهة القبلة والأهله وبخاصة هلال رمضان يحتاج إلى حسابات خاصة وطرق متناهية في الدقة ولا يتأتي ذلك إلا بالرياضيات وقد فاق المسلمون اقرأنهم من الهنود واليونان في معرفة كل ما يتعلق بالشهور ومطالع الأهلة
ونظرا لحاجة المسلمين للحسابات الدقيقة والمتعلقة بالأمور الدينية من عبادات وغيرها شجع الخلفاء ومنهم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور المترجمين والعلماء على الاهتمام بعلم الفلك وخصص اعتمادات كبيرة من المال للعناية بذلك لمعرفة البروج وعروض البلدان وحركة الشمس والانقلابان الربيعي والخريفي والليل والنهار وحركات القمر وحسابها والخسوف والكسوف والنجوم الثابتة والكواكب المتحركة
وتشمل الرياضيات فرع هام وهو حساب المثلثات الوثيق الصلة بالجبر الذي أخذه الأوربيون عن المسلمين وتظهر أهمية الرياضيات وعلم المثلثات بصورة خاصة في قياس المساحات الكبيرة والمسافات الطويلة بطريقة غير مباشرة كقياس ارتفاع جبل أو البعد بين جبلين أو عرض نهر وغيرها حتى قياس طول السنة الشمسية يعرف برصد ارتفاع الشمس
والرياضيات لها أهمية في حياة المجتمع بمعرفة الحجوم وحساب الكميات وغيره فالهندسة علم مهم يدرس الحجم والمساحة وهو فرع من فروع الرياضيات التي تتعامل مع النقطة والخط والسطح والفضاء
مما سبق يمكن القول إن الرياضيات بكل فروعها لها أهمية في حياة المجتمع اليومية وتصريف وتنظيم أمور معاشهم وحل ما يقع بينهم من أمور تحتاج للحساب وتحديد ما لهم وما عليهم من أمور مادية
كما إن الرياضيات مهمة في تسهيل أمور المجتمع في عباداتهم وتحديد ما عليهم من واجبات مالية ويظهر ذلك في تحديد الزكاة وغيرها
كما ان الرياضيات مهمة في معرفة المساحات والحجوم والمقادير والأبعاد وغيرها
فالرياضيات علم لا يستغنى عنه في الحياة بل نستطيع القول إن الرياضيات سهلت الحياة في كثير من جوانبها ونغصت الحياة لأنها كانت أيضا سببا في اختراع كثير من أدوات الدمار فالرياضيات سلاح ذو حدين في الحياة .
فالرياضيات علم هام لم ينل ما يستحقه من الاهتمام فهو بحق ذلك الجندي المجهول في كل إنجاز علمي ذي بال فعلماء النفس المعاصرون يستعينون بالرياضيات لبناء نماذج لدراسة عمليات التعلم والاقتصاديون يعتمدون عليها في فهم العلاقة بين الاستهلاك في الاقتصاد الراهن القائم على المنافسة، وشركات الأعمال تطبق التفكير الرياضي الدقيق على مسائل الإدارة والتخزين والإنتاج والمهندسون يعتمدون على الرياضيات في وضع النماذج و التصاميم الهندسية ومحاكاة الواقع.
وعلى الرغم من محافظة الرياضيات على مسلماتها القائمة منذ آلاف السنين فقد استجابت لأخطر التحديات العلمية والتقنية المعاصرة، بل بعثت التطورات في علوم الحاسب الآلي والطب والإحياء والاقتصاد والمواصلات والاتصال وحماية البيئة وغزو الفضاء نشاطا عارما في الرياضيات التي يمكن أن نعتبرها أم العلوم الأساسية ولغة التقنية الحديثة.
وبناء عليه فإن الرياضيات تعتبر بحق العمود الفقري لتطور العلوم على اختلاف أنواعها وشعبها كما تشهد لها بذلك حاجة العلوم الأخرى ، إذ لا نكاد نتصور ازدهارا معتبرا في شتى الميادين إلا بقدر ما نستحوذ عليه ونستوعبه في فروع الرياضيات.
لا شك أن التقدم العلمي قد أضحى أمرا أساسيا في نمو المجتمعات المعاصرة أكثر مما مضى فهو يدفعها إلى التفوق في الركب الحضاري ويؤهلها للتنافس والتدرج وبغيره تخر الأسس وتضمحل القواعد.
ولعل من أهم الأسباب لهذا التقدم تواصل المعارف والخبرات بين الأجيال وتطويرها في شتى المجالات وذلك من أجل المساهمة الفعالة والبناءة في رفع التحديات العلمية والتقنية المتعددة والمتزايدة أمام البلاد0
المبحث الخامس / الرياضيات عند الأمم ، وتطوره 0
إن الرياضيات تعد أم العلوم ، ولمعرفة موضوع علم الرياضيات ومنهجه يجب التطرق إلى تاريخه ، وهذا سيساعدنا على اكتساب رؤية واضحة على منهج ومبادئ ونتائج الرياضيات وبالتالي اكتشاف الآليات التي تحكم سير وتطور هذا العلم ، ومعرفة العوائق التي اعترضت تطوره .
فهل ظلت الرياضيات ومنهجها هي نفسها لم يتغير طوال تاريخها ؟
من خلال دراستنا للحضارات ومدى اهتمام كل حضارة بهذا العلم نعرف مدى تطور علم الرياضيات من عدمه ،،،وإليك هذه الدراسة بالتفصيل :
الحضارة القديمة
من المحتمل أن أناس ما قبل التاريخ بدؤوا العد أولاً على أصابعهم. وكان لديهم ـ أيضًا ـ طرائق متنوعة لتدوين كميات وأعداد حيواناتهم أو عدد الأيام بدءًا باكتمال القمر. واستخدموا الحصى والعقد الحبلية والعلامات الخشبية والعظام لتمثيل الأعداد. وتعلّموا استخدام أشكال منتظمة عند صناعتهم للأواني الفخارية أو رؤوس السهام المنقوشة.
إذا ًقبل اليونانيون كانت الرياضيات شديدة الارتباط بالواقع العملي والحسي وبالممارسة اليومية للإنسان وبحاجاته . وتعتبر هذه المرحلة جنينيه للرياضيات
الرياضيات عند البابليين
كان الكتبة منهم منذ 3000سنة يمارسون كتابة الأعداد وحساب الفوائد ولاسيما في الأعمال التجارية ببابل. وكانت الأعداد والعمليات الحسابية تدون فوق ألواح الصلصال بقلم من البوص المدبب. ثم توضع في الفرن لتجف. وكانوا يعرفون الجمع والضرب والطرح والقسمة. ولم يكونوا يستخدمون فيها النظام العشري المتبع حاليا مما زادها صعوبة حيث كانوا يتبعون النظام الستيني الذي يتكون من 60 رمزا للدلالة علي الأعداد من 1-60.
وقد طور البابليون القدماء ـ في 2100 ق.م ـ النظام الستيني المبني على أساس العدد 60.
ولا يزال هذا النظام مستخدمًا حتى يومنا هذا لمعرفة الوقت، بالسّاعات والدقائق والثواني. ولا يعرف المؤرخون بالضبط كيف طوّر البابليون هذا النظام، ويعتقدون أنه حصيلة استخدام العدد 60 كأساس لمعرفة الوزن وقياسات أخرى. وللنظام الستيني استخدامات هامة في الفلك لسهولة تقسيم العدد 60 وتفوق البابليون على المصريين في الجبر والهندسة0
لقد تحقق وعي مع اليونان بالعمليات الحسابية والهندسية في شكلها المجرد واهتموا بها كثيرا . وما يميز هذه المرحلة هو امتزاج هذا الاهتمام ببعض التصورات الميتافيزيقية والخرافية الأسطورية كظهور رموز غريبة مثل : مع الفيثاغورثيين ، مما أدَّى إلى ظهور نتائج غير منتظرة وغير مألوفة . وكون الرياضيات ارتبطت في هذه الحقبة بالمحسوس والعملي بالإضافة إلى الامتزاج المذكور سالفاً ، كل هذا كان بمثابة عائق أمام تقدم الرياضيات . وكان لابد لتقدم هذا العلم من تجاوز الارتباط بالمحسوس وتجاوز التصورات التي تعطي للكائنات الرياضية كالأعداد والأشكال الهندسية مثلاً وجوداً مستقلاً عن ذهن الإنسان ويعتبر إقليدس العالم اليوناني الذي استطاع أن يجمع شتات ما تم إنجازه في مجال الرياضيات عند اليونان وأسس عليه نسقاً هندسياً سمي بالهندسة الإقليدية .
الرياضيات عند المصريين
استخدم الرياضيون في مصر القديمة قبل حوالي 3000 عام ق.م. النظام العشري (وهو نظام العد العشري وهو العد بالآحاد والعشرات والمئات. لكنهم لم يعرفوا الصفر. لهذا كانوا يكتبون 500بوضع 5رموز يعبر كل رمز علي 100) دون قيم للمنزلة. وكان المصريون القدماء روادًا في الهندسة، وطوروا صيغًا لإيجاد المساحات وحجوم بعض المجسمات البسيطة. ولرياضيات المصريين تطبيقات عديدة تتراوح بين مسح الأرض بعد الفيضان السّنوي_ لتقدير الضرائب_ إلى الحسابات المعقدة والضرورية لبناء الأهرامات.
وأول العلوم الرياضية التي ظهرت قديما كانت الهندسة.
الرياضيات عند الإغريق
يعد علماء الإغريق أول من اكتشف الرياضيات البحتة بمعزل عن المسائل العملية . فقد قام الإغريق بعدما نقلوا الرياضيات الفرعونية استطاع تاليس (طاليس) في القرن السابع ق.م. أن يجعل الرياضيات نظريات بحتة حيث بين أن قطر الدائرة يقسمها لنصفين متساويين في المساحة والمثلث المتساوي الضلعين به زاويتين متساويتين. وتوصل بعده فيثاغورث إلى أن في المثلث مربع ضلعي الزاوية القائمة يساوي مربع الوتر. وفي الإسكندرية ظهر إقليدس بالقرن الثالث ق.م. و وضع أسس الهندسة التي عرفت بالإقليدية والتي مازالت نظرياتها تتبع اليوم. ثم ظهر أرخميدس (287 ق.م. – 212ق.م. ) باليونان حيث عين الكثافة النوعية .
أدخل الإغريق الاستنتاج المنطقي والبرهان، وأحرزوا بذلك تقدمًا مهمًا من أجل الوصول إلى بناء نظرية رياضية منظمة. وتقليديًا يعد الفيلسوف طاليس أول من استخدم الاستنتاج في البرهان، وانصبَّ جل اهتمامه على الهندسة حوالي 600 ق.م. اكتشف الفيلسوف الإغريقي فيثاغورس، الذي عاش حوالي 550 ق.م.، طبيعة الأعداد، واعتقد أن كل شيء يمكن فهمه بلغة الأعداد الكلية أو نسبها. بيد أنه في حوالي العام 400 ق.م. اكتشف الإغريق الأعداد غير القياسية (وهي الأعداد التي لا يمكن التعبير عنها كنسبة لعددين كليين)، وأدركوا أن أفكار فيثاغورس لم تكن متكاملة. وفي حوالي 370 ق.م. صاغ الفلكي الإغريقي يودوكسوس أوف كنيدوس نظرية بالأعداد غير القياسية وطوّر طريقة الاستنفاد، وهي طريقة لتحديد مساحة المنطقة المحصورة بين المنحنيات، مهدت لحساب التكامل. وفي حوالي 300 ق.م قام إقليدس ـ أحد أبرز علماء الرياضيات الإغريق ـ بتأليف كتاب العناصر، إذ أقام نظامًا للهندسة مبنيًا على التعاريف التجريدية والاستنتاج الرياضي. وخلال القرن الثالث قبل الميلاد عمَّم عالم الرياضيات الإغريقي أرخميدس طريقة الاستنفاد، مستخدمًا مضلعًا من 96 ضلعًا لتعريف الدائرة، حيث أوجد قيمة عالية الدقة للنسبة التقريبية باي (وهي النسبة بين محيط الدائرة وقطرها). وفي حوالي العام 150 ق.م. استخدم الفلكي الإغريقي بطليموس الهندسة وحساب المثلثات في الفلك لدراسة حركة الكواكب، وتمّ هذا في أعماله المكونة من 13 جزءًا. عرفت فيما بعد بالمجسطي أي الأعظم.
الرياضيات عند الرومان
أظهر الرومان اهتمامًا ضئيلاً بالرياضيات البحتة، غير أنهم استخدموا المبادئ الرياضية في مجالات كالتجارة والهندسة وشؤون الحرب .
الرياضيات عن الهنود
في بلاد الشرق نجد الهنود قد ابتكروا الأرقام العربية التي نستعملها حتى اليوم وقد أخذها العرب عنهم وأطلقوا عليها علم الخانات. وكان الهنود فيه يستعملون الأعداد العشرية من 1-9 وأضافوا لها الصفر, وهذا العلم نقلته أوربا عن المسلمين.
الرياضيات عند العرب والمسلمون
لقد دعا الإسلام إلى الأخذ بجميع العلوم التي تخدم المجتمع و تطوّر من شأنه ومنها علم الرياضيات
اقرأ في القرآن قوله تعالى:" إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" [القمر : 49]
وقوله تعالى :" أنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا"[الرعد: 17]
وقوله تعالى :" الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن : 5]
وقوله تعالى :" ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام : 62]
بل إنّ هناك آيتين في القرآن الكريم صرّحت بالدعوة إلى تعلّم الحساب ..
ففي سورة الإسراء يقول الله سبحانه وتعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكلّ شيء فصلناه تفصيلا )
وفي سورة يونس يقول الحقّ تبارك وتعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب , ما خلق الله ذلك إلاّ بالحق يُفصّل الآيات لقوم يعلمون(
ولمّا استتبّ أمر الدولة الإسلامية أخذ خلفائها ينشرون العلم وينشئون المكاتب وينقلون إليها كتب حكماء اليونان والرومان , فأخذ بها المسلمون وصحّحوا أخطائها وزادوا عليها من علومهم الشيء الكثير .
وقد برع الكثير من علماء المسلمين في علم الرياضيات أمثال جابر ابن حيّان الذي يُنسب إليه علم الجبر وثابت ابن قُرّة وغيرهم الكثير
وقد قام علماء العرب المسلمون بترجمة وحفظ أعمال قدامى الإغريق من علماء الرياضيات بالإضافة إلى إسهاماتهم المبتكرة.
ففي خلافة أبي جعفر المنصور ترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي CLAUDIUS PTOLOMY ( (ت. 17 م)، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم "المجسطي ". واسم هذا الكتاب في اليونانية " (EMEGAL MATHEMATIKE ، " أي الكتاب الأعظم في الحساب .والكتاب دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات. وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه. وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، سد هانتاSiddhanta أي " المعرفة والعلم والمذهـب ".
وألف عالم الرياضيات العربي الخوارزمي كتابًا حوالي عام 210هـ، 825م، وصف فيه نظام العد اللفظي المطور في الهند. وقد استخدم هذا النظام العشري قيمًا للمنزلة وكذلك الصفر، وأصبح معروفًا بالنظام العددي الهندي ـ العربي كما ألف الخوارزمي كذلك كتابًا قيمًا في الجبر بعنوان كتاب الجبر والمقابلة، وأخذت الكلمة الإنجليزية من عنوان هذا الكتاب.
". وقد ظهرت الترجمة العربية في عهد أبي جعفر المنصور بعنوان "السند هند.ومع كتاب "السند هند" دخل علم الحساب الهندي بأرقامه المعروفة في العربية بالأرقام الهندية فقد تطور على أثرها علم العدد عند العرب، وأضاف المسلمون نظام الصفر مما جعل الرياضيين العرب يحلون الكثير من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله لجميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي ورد في كتاب مفتاح الحساب للعالم الرياضي جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي (ت 840 هـ1436 م)، وكان هذا الكشف المقدمة الحقيقية للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر. و استخرج إبراهيم الفزاري جدولاً حسابياً فلكياً يبين مواقع النجوم وحساب حركاتها وهو ما عرف بالزيج . وفي بغداد أسس الخوارزمي علم الجبر والمقابلة في أوائل القرن التاسع . . وكان من علماء بيت الحكمة ببغداد محمد بن موسى الخوارزمي (ت 232 هـ846 م) " الذي عهد إليه المأمون بوضع كتاب في علم الجبر، فوضع كتابه " المختصر في حساب الجبر والمقابلة وهذا الكتاب هو الذي أدى إلى وضع لفظ الجبر وإعطائه مدلوله الحالي. قال ابن خلدون: "علم الجبر والمقابلة (أي المعادلة) من فروع علوم العدد، وهو صناعة يستخرج بها العدد المجهول من العدد المعلوم إذا كان بينهما صلة تقتضي ذلك فيقابل بعضها بعضاً، ويجبر ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحاً". فالجبر علم عربي سماه العرب بلفظ من لغتهم، و الخوارزمي هو الذي خلع عليه هذا الاسم الذي انتقل إلى اللغات الأوروبية بلفظه العربي ALGEBRA .و ترجم هذا الكتاب للاتينية في سنة 1135 م .وظل يدرس في جامعات أوربا حتى القرن 16 م. كما انتقلت الأرقام العربية إلى أوربا عن طريق ترجمات كتب الخوارزمي الذي أطلق عليه في اللاتينية "الجور تمي "ALGORISMO ثم عدل للجورزمو ALGORISMO للدلالة على نظام الأعداد وعلم الحساب والجبر وطريقة حل المسائل الحسابية وظهرت عبقرية "الخوارزمي " في " الزيج " أو الجدول الفلكي الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،،وقد جامع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس (مصر )، فاستحسنه أهل زمانه ذلك وانتفعوا به مدة طويلة فذاعت شهرته وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب. وقد نقل الغرب العلوم الرياضية عن العرب وطوروها. وعرف حساب أباكوس: Abacus.أو أباكس.لوحة العد . وهي عبارة عن إطار وضعت به كرات للعد اليدوي. وكانت هذه اللوحة يستعملها الإغريق والمصر يون والرومان وبعض البلدان الأوربية قبل وصول الحساب العربي أوربا في القرن 13. وكان يجري من خلال لوحة العد الجمع والطرح والضرب والقسمة.